سورة الحاقة بجملتها تلقي بكل قوة وعمق إحساساً واحداً بمعنى واحد
.. أن هذا الأمر ، أمر الدين والعقيدة ، جد خالص حازم جازم ، جد كله لاهزل
فيه . ولا مجال فيه للهزل . جد في الدنيا وجد في الآخرة ، وجد في ميزان
الله وحسابه جد لا يحتمل التلفت منه هنا أو هناك كثيراً ولا قليلاً .
يبرز هذا المعنى في اسم القيامة في هذه السورة ( الحاقة ) وهي بلفظها
وجرسها ومعناها تلقي في الحس معنى الجد والصرامة والحق والاستقرار . وإيقاع
اللفظ بذاته أشبه شيء يرفع الثقل طويلاً ، ثم استقرار مكيناً . رفعه في
مدة الحاء بالالف ، وجده في تشديد القاف بعدها ، واستقراره بالانتهاء
بالتاء المربوطة التي تنطق هذه ساكنة .
ويبرز في مصارع المكذبين بالدين وبالعقيدة وبالآخرة قوماً بعد قوم ،
وجماعة بعد جماعة ، مصارعهم العاصفة القاصمة الحاسمة الجازمة : ( كذبت ثمود
وعاد بالقارعة . فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر
عاتية . سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ، فترى القوم صرعى ،
كأنهم أعجاز نخل خاوية . فهل ترى لهم من باقية ؟ وجاء فرعون قبله
والمؤتفكات بالخاطئة ، فعصوا رسول ربهم ، فأخدهم أخدة رابية . إنا لما طغى
الماء حملناكم في الجارية ، لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ) وهكذا كل
من تلفت عن هذا الأمر أخدة أخدة مروعة داهمة قاصمة ، تتناسب مع الجد
الصارم الحاسم في هذا الأمر العظيم الهائل ، الذي لايحتمل هزلاً ، ولا
يحتمل لعباً ، ولا يحتمل تلفتاً عنه من هنا وهناك ! ويبرز في مشهد القيامة
المروع ، وفي نهاية الكون الرهيبة ، وفي جلال التحلي وهو أروع وأهول : (
فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة . وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة
فيومئذ وقعت الواقعة . وانشقت السماء فهي يومئذ واهية . والملك على أرجائها
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية )
ذلك الهول وهذا الجلال يخلعان الجد الرائع الجليل على مشهد الحساب عن
ذلك الأمر الهول .يشاركان في تعميق ذلك المعني في الحس مع سائر ايقاعات
السورة وإيحاءتها . هو وما بعده من مقالة الناجين والمعذبين : (فأما من
أوتي كتابه بيمينه فيقول : هاؤم اقرؤوا كتابيه . إني ظننت أني ملاق حسابيه )
فقد نجا ولايكاد يصدق . ( وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول : ياليتني لم
أوت كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه . يا ليتها كانت القاضيه ، هلك عني سلطانيه
) بهذا التفجع الطويل ، الذي في الحس وقع هذا المصير
ثم يبدو ذلك الجد الصارم والهول القاصم في النطق العلوي الرهيب ، في
اليوم الهائل ، في الموقف الجليل : ( خدوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في
سلسلة ذرعها سبعون ذرعاً فاسلكوه )
ثم يعقب كلمة الجليل من بيان لموجات الحكم الرهيب ( فليس له اليوم هاهنا حميم . ولا طعام إلا من غسلين . لا يأكله إلا الخاطئون )
ثم يبرز التلويح بقسم هائل ، وفي تقرير الله الدين الأخير ( فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون . إنه لقول رسول كريم )
وأخيراً يبرز الجد في الإيقاع الأخير . وفي التهديد لكل من يتلاعب في
هذا الأمر كائناً من كان ولو كان محمد الرسول ( ولو تقول علينا بعض
الأقاويل لأخدنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين . فما منكم من أحد عنه
حاجزين )
وعنئذ نختم السورة بالتقرير الجازم الحاسم والقول الفصل الأخير عن هذا
الأمر الخطير : ( وانه لتذكرة للمتقين . وإنا لنعلم أن منكم مكذبين . وإنه
لحسرة على الكافرين . وإنه لحق اليقين . فسبح باسم ربك العظيم ) .. وهو
الختام الذي يقطع كل قول ، ويلقي بكلمة الفصل ، وينتهي إلى الفراغ من كل
لغو ، والتسبيح باسم الله العظيم
سورة الحاقة
ترتيبها في القران 69
عدد الآيات 52
عدد الكلمات 261
عدد الحروف 1107
نزولها مكية